Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: أدلّة القول بالحليّة

أدلّة القول بالحليّة

وحيث استقصينا الكلام في دلائل المختار فقد حان لنا الشروع في أدلّة القول الآخر ، وجملة ما قيل في الاستدلال عليه وما يمكن أن يقال وجوه :

الأوّل : أصل الإباحة الثابت بالعقل والنقل ؛ فإنّ الأشياء كلّها مخلوقة لمصالح العباد ومنافعهم ، ولا يتمّ النفع إلاّ بإباحتها ، وقد قال الله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً )[1] ، وفي الحديث : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي »[2] .

ومقتضى ذلك الأصل ثبوت الحلّية في محلّ النزاع ما لم يعلم الناقل عنه .

الثاني : استصحاب الحلّ ؛ فإنّ المعتصر من الزبيب كان حلالا قبل غليانه إجماعاً ، فيبقى على الحلّية بعده حتّى يثبت المزيل ، فإنّ اليقين لا ينتقض بالشكّ .

الثالث : عمومات الكتاب ، وهي أنواع :

منها : ما دلّ على إباحة الأكل والشرب بقول مطلق ، كقوله تعالى : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا )[3] .

ومنها : الآيات الدالّة على حلّ الطيّبات، كقوله تعالى : ( يَسْأ لُونَكَ مَاذَا اُحِلَّ لَهُمْ قُلْ اُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[4] .

وقوله سبحانه : ( اليَوْمَ اُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[5] .

وقوله عزّ وجلّ في حكاية بعث[6] النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ )[7] .

والعصير الزبيبي قبل ذهاب ثلثيه من الطيّبات ، فيكون حلالا . أمّا الثانية فبالآيات المتلوّة ؛ فإنّ الطيّبات جمع محلّى باللام ، والجمع المحلّى حقيقة في العموم عند جمهور المحقّقين .

وأمّا الاُولى ، فلأنّ المراد من الطيّبات ما يقابل الخبائث ، وهي التي يستخبثها الطباع السليمة وتنفر عنها ، وليس العصير الزبيبي منها قطعاً ؛ لملائمتها الطباع ، فيكون من الطيّبات . وليست الحلّية مأخوذة فيها ، بدلالة العرف ، ولزوم الإجمال على تقدير اعتبارها ، وهو ينافي الامتنان المقصود في هذه الآيات .

ومنها : ما دلّ على حصر المطاعم المحرّمة في أعيان مخصوصة غير متناولة لمحلّ النزاع ، كقوله تعالى : ( قُلْ لا أجِدُ فِي مَا اُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَماً مَسْفُوحاً أوْ لَحْمَ خِنزِير فَإنَّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقاً اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ )[8] .

وقوله سبحانه : ( إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا اُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ )[9] .

والآيتان محكمتان غير منسوختين ولا مؤقتين ؛ لدلالة الأخبار الصحيحة على بقاء حكمهما وصحّة التمسّك بهما ، كصحيحة زرارة ، ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)أ نّه قال : « إنّما الحرام ما حرّم الله تعالى في القرآن »[10] .

وصحيحة محمّد بن مسلم عنه (عليه السلام) ، قال : « ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله في كتابه » ، ثمّ قال : « اقرأ هذه الآية »[11] ، وذكر الآية الاُولى[12] .

وصحيحته الاُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، وقد سأله عن أشياء من المطاعم ، فقال له : « يا محمّد ، اقرأ هذه الآية التي في الأنعام : ( قُلْ لا أجِدُ فِي مَا اُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ ) ، » ، قال : فقرأتها حتّى فرغت منها ، فقال : « إنّما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه »[13] ، الحديث .

ومنها : ما دلّ على حلّية العنب وما يتّخذ منه من الأطعمة والأشربة ، وهو قوله تعالى : ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً )[14] ؛ فإنّ المراد بالرزق الحسن جميع ما يتّخذ من الثمرتين من التمر والزبيب والدبس والعصير والخلّ وغيرها ، ويجب أن يكون هذه كلّها محلّلة ؛ لتسميتها ووصفها بالحسن ووقوعها في معرض الامتنان ، وقد خرج من ذلك العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه ، فيبقى الباقي .

الرابع : لزوم العسر والحرج لو قلنا بتوقّف الحلّية فيها على ذهاب الثلثين ؛ إذ لا يكاد يتحقّق التثليث في العصير الزبيبي إلاّ بانعقاده وخروجه عن الدبسيّة وتغيّر طعمه إلى المرارة ، وربما احترق ذلك ولم ينتفع به مع ثبوت الحاجة إليه في كثير من البلدان ، ووجود الداعي إلى استعماله بمقتضى العادة المطّردة ، والعسر والحرج منفيّان بالآية والرواية ، قال الله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج )[15] ، وقال سبحانه : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ )[16]، وقال : « بعثت بالحنيفيّة السهلة السمحة[17] »[18] ، وقال(عليه السلام) : « أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة »[19] ، أو الطريقة التي لا ضيق فيها.

الخامس : أنّ الأحكام الشرعيّة تتبع الأسماء ، والزبيب خارج عن مسمّى العنب ، فلا يثبت له حكمه .

السادس : ذهاب ثلثي الزبيب وزيادة بالشمس ، فلا يحتاج إلى التثليث ، بخلاف العنب .

السابع : النصوص الدالّة على المطلوب بالعموم والخصوص .

منها : الأخبار المتضمّنة لحلّ النقيع ما لم يسكر[20] .

منها : ما رواه الشيخ في التهذيب ، في الصحيح ، عن يونس بن عبد الرحمن ـ وهو ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وأقرّت له بالفقه والعلم ـ عن مولى حرّ بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)فقلت له : إنّي أصنع الأشربة من العسل وغيره ، وإنّهم يكلّفوني صنتعها ، فأصنعها لهم ؟ فقال : « اصنعها وادفعها إليهم ، وهي حلال من قبل أن تصير مسكراً »[21] .

وجه الدلالة : أنّ ترك الاستفصال عن أنواع الأشربة وطريق صنعتها يقتضي ثبوت الحلّية لكلّ نوع منه ، وإن غلى ولم يذهب ثلثاه ، خرج عن ذلك العصير العنبي بالنصّ والإجماع ، ويبقى ما عداه على التحليل ، ومنه شراب الزبيب .

وربما يتمسّك لإثبات العموم بقول السائل : « أصنع الأشربة » ، فإنّ الأشربة جمع محلّى باللام ، وهو حقيقة في العموم .

ويضعّف بأنّ الظاهر إرادة الجنس هنا ، كما في قولهم : « فلان يركب الخيل ، ويعطي الدراهم » ، بعد إرادة العموم في مثل ذلك .

ومنها : ما رواه ثقة الإسلام الكليني عن محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، عن السيّاري ، عمّن ذكره ، عن إسحاق بن عمّـار ، قال : شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)بعض الوجع ، وقلت له : إنّ الطبيب وصف لي شراباً ، آخذ الزبيب وأصبّ عليه الماء للواحد اثنين ، ثمّ أصبّ عليه العسل ، ثمّ أطبخه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ، قال : « أليس حلواً ؟ » قلت : بلى ، قال : « اشربه » [22] .

والتقريب في هذه الرواية : أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) : « أليس حلواً » ، كون العلّة في إباحة الشراب المسؤول عنه كونه حلواً ، غير متغيّر بما يوجب الإسكار ، فيجب أن يطّرد فيما كان كذلك ، وإن لم يذهب منه الثلثان ؛ لأنّ العلّة المنصوصة حجّة ، كما بيّن في الاُصول .

وقد روى عبد الله والحسين ابنا بسطام في طبّ الأئمّة هذه الرواية بإسناد آخر ، عن إسحاق بن عمّـار ، في آخرها : فقال : « أليس حلواً ؟ » قلت : بلى يا ابن رسول الله ، قال : « اشرب الحلو حيث وجدته أو حيث أصبته » ، ولم يزدني على هذا[23] . وهذه الزيادة كالنصّ في اطّراد العلّة وعدم اختصاصها بالمادّة المفروضة في السؤال .

ومنها : ما رواه الكليني في الكافي ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن أبي بصير ، قال : كان أبو عبد الله (عليه السلام)تعجبه الزبيبيّة[24] .

قال في المسالك بعد نقل هذا الحديث ووصفه بالصحّة : « وهذا ظاهر في الحلّ ؛ لأنّ طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب كما لا يخفى »[25] .

ومنها : ما رواه القطب الراوندي في الخرائج والجرائح ، في الفصل الثامن من الباب الرابع عشر ، عن صفوان قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه غلام وقال : ماتت اُمّي . فقال : لم تمت ؟ قال : تركتها مسجّى عليها ، فقام أبو عبد الله (عليه السلام)ودخل عليها فإذا هي قاعدة ، فقال لابنها : ادخل على اُمّك فأشربها من الطعام ما شاءت فأطعمها ، فقال الغلام : يا اُمّاه ، ما تشتهين ؟ قالت : أشتهي زبيباً مطبوخاً ، فقال له : آتها بغضارة مملوّة زبيباً ، فأكلت منها حاجتها »[26] ، الحديث .

والتقريب في هذه الرواية نظير ما تقدّم في صحيحة أبي بصير .

هذا أقصى ما يمكن أن يقال في الانتصار للقول بالحلّ .

--------------------------------------------------------------------------------

[1]. البقرة ( 2 ) : 29 .

[2]. الفقيه 1 : 317 / 937 ، باب وصف الصلاة ، الحديث 23 ، وسائل الشيعة 6 : 290 ، كتاب الصلاة ، أبواب القنوت ، الباب 19 ، الحديث 3 .

[3]. البقرة ( 2 ) : 60 .

[4]. المائدة ( 5 ) : 4 .

[5]. المائدة ( 5 ) : 5 .

[6]. في « ر 2 » : حكاية في نعت النبي .

[7]. الأعراف ( 7 ) : 157 .

[8]. الأنعام ( 6 ) : 145 .

[9]. البقرة ( 2 ) : 173 .

[10]. الكافي 6 : 245 ، باب جامع في الدواب التي لا تؤكل لحمها ، الحديث 10 ، التهذيب 9 : 48 / 169 ، باب الصيد والذكاة ، الحديث 169 ، وسائل الشيعة 24 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 4 ، الحديث 1 .

[11]. التهذيب 9 : 49 / 174 ، باب الصيد والذكاة ، الحديث 174 ، الاستبصار 4 : 74 / 275 ، باب حكم لحم الحمر الأهلية والخيل والبغال ، الحديث 8 ، وسائل الشيعة 24 : 123 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 6 .

[12]. أي : الآية 145 من سورة الأنعام .

[13]. التهذيب 9 : 7 / 16 ، باب الصيد والذكاة ، الحديث 16 ، الاستبصار 4 : 60 / 208 ، باب النهي عن صيد الجري و ... ، الحديث 9 ، وسائل الشيعة 24 : 136 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 9 ، الحديث 20 .

[14]. النحل ( 16 ) : 67 .

([15]) الحجّ : 78 .

([16]) البقرة : 185 .

[17]. « السمحة » لم يرد في المصدر .

[18]. الأمالي (للطوسي) : 527 ، وسائل الشيعة 8 : 116 ، كتاب الصلاة ، أبواب بقية الصلوات ، الباب 14 ، الحديث 1 .

[19]. الفقيه 1 : 12 / 16 ، باب المياه وطهرها و نجاستها ، الحديث 16 ، وسائل الشيعة 24 : 117 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 8 ، الحديث 3 .

[20]. تقدّم ذكر هذه الأخبار في الصفحة 363 ـ 365 .

[21]. التهذيب 9 : 148 / 548 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 284 ، وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 38 ، الحديث 3 .

[22]. الكافي 6 : 426 ، باب صفة الشراب الحلال ، الحديث 4 ، وسائل الشيعة 25 : 291 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 5 .

[23]. طبّ الأئمّة : 61 ، وسائل الشيعة 25 : 291 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 6 .

[24]. الكافي 6 : 316 ، باب الطبيخ ، الحديث 7 ، وسائل الشيعة 25 : 62 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 27 ، الحديث 1 ، وفيه : «يعجبه الزبيبة» .

[25]. مسالك الأفهام 12 : 76 .

[26]. الخرائج والجرائح 2 : 613 . والحديث لم يرد في الوسائل والمستدرك .

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org