Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الدليل الأوّل: القرآن الكريم

الدليل الأوّل: القرآن الكريم

يشتمل القرآن الكريم على العديد من الأدلّة على ضمان شخص الجاني، وفيما يلي نستعرض جانباً منها:

الآية الأولى: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا).[1]

قال أمين الإسلام الطبرسي:

لو خلّينا وظاهر الآية؛ لقلنا إنّ دية الخطأ على القاتل، لكن علمنا بسنّـة الرسول والإجماع أنّ الدية في الخطأ على العاقلة.[2]

وقال المحقّق الأردبيلي في مورد ظهور الآية:

وظاهر الآية والعقل لزومها على القاتل، إلّا أنّ النصّ والإجماع حملها على العاقلة.[3]

كما قال الفاضل الجواد في تأييد هذا الظهور:

ظاهر الآية يقتضي كونهما معاً عليه، إلّا أنّ النصّ والإجماع فرّق بينهما وأوجبها على العاقلة، فهو معلوم من خارج.[4]

فعلى الرغم من أنّه يقبل بظهور الآية في وجوب الدية والكفّارة جمعاً على القاتل، إلّا أنّه يرفع اليد عن الظهور للدليل الخارجي.

وقد ذكر صاحب الجواهر سبب هذا الفهم من الآية، قائلاً:

بل لعلّه المنساق من الآية، ولو بسبب جمع الكفّارة التي لا إشكال في كونها عليه مع الدية.[5]

واضح أنّه بالالتفات إلى ظهور هذه الآية الشريفة المعتضدة بتأييد الكثير من الفقهاء والمفسّرين، مع مطابقتها للعقل، تكون الدية على عاتق القاتل، وإن تجاهل هذا الظهور، يحتاج إلى دليل محكم، وأن يكون أوضح من هذا الظهور، وقد تقدّم أنّه لا يوجد مثل هذا الدليل المطلق.

الآية الثانية: قوله تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).[6]

توجيه الاستدلال بهذه الآية الشريفة، بتقرير: أنّ حمل الدية على العاقلة يمثل في الحقيقة تحميل وزر القاتل على عاتق آخر، وهو منفيّ بصريح هذه الآية.

قال العلّامة الطباطبائي:

...أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى؛ أي لا يؤاخذ بالذنب إلّا من ارتكبه.[7]

إنّ جملة: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) في هذه الآية ـ والتي تكرّرت في العديد من الآيات الأخرى، ويؤيّد مضمونها بما قبلها وما بعدها، وتشهد عليها آيات أخرى من القرآن الكريم أيضاً ـ تبيّن قاعدة عامة بشأن مسؤوليّـة الفرد في قبال ما يصدر عنه من الأفعال، وهي مسؤوليّـة عقليّـة وفطريّـة تماماً، وعلى حدّ تعبير الفاضل المقداد: إنّه أمر دلّ عليه العقل، وقد صرّح القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).[8]

وقال في الإيضاح، في البحث المتعلّق بولد الزنا، وأسباب عدم جواز “حمل وزر شخص على شخص آخر”:

(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فلا يجوز أن يؤخذ ولد الزنا بذنب أبيه؛ لأنّه ظلم، والله تعالى يستحيل عليه الظلم، ولقوله تعالى: (وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[9].[10]

إنّ حمل العقوبة على شخص آخر غير المذنب ظلم، والظلم محال على الله تعالى.

النتيجة: حيث أنّ هذه الآية الشريفة في مقام بيان مسألة عقليّـة وفطريّـة تماماً، وهي تعبّر عن تطابق التكوين والتشريع العادل، وعلى حدّ التعبير السائد في علم الأصول: إنّ لسان الدليل العام يأبى التخصيص؛ إذ أنّ مرجع ذلك إلى تخصيص الحكم العقلي والفطري. بل إنّ كلّ قانون شرعيّ يرد في الكتاب والسنّـة إذا كان موافقاً لحكم العقل؛ بمعنى أن يكون للعقل في ذلك الموضوع حكم متطابق مع قانون الشرع، لم يكون ذلك الخطاب الشرعيّ قابلاً للتخصيص.

وقال سماحة الإمام الخميني (سلام الله عليه) بشأن قوله تعالى: (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ):[11]

ثمّ إنّه بعد إدراك العقل قبح ذلك؛ أي الإعانة على الإثم وتهيئة أسباب المنكر والمعصية: لا يمكن تخصيص حكمه وتجويز الإعانة عليها في مورد.[12]

إذ لا يمكن القول ـ طبقاً للقانون العادل الذي يحكم عالم الخلق ـ إنّ كلّ شخص رهن بعمله، ولا أحد يحمل وزر غيره، إلّا في مورد العاقلة؛ إذ تكون مكلّفة بحمل وزر الآخر، أو نقول: لا ينبغي حمل عقوبة شخص على عاتق شخص آخر؛ لما في ذلك من الظلم، إلّا في هذا المورد.

وقد يقول شخص: طبقاً لنظريّتكم حيث قلتم بمسؤوليّـة العاقلة في بعض الحالات، يكون هناك إلقاء لوزر الآخر على عاتق العاقلة، وبذلك تكونون قد خصّصتم هذه الآية أيضاً.

ولكنّنا نقول في الجواب: عندما تكون العاقلة (الأعمّ من الأقرباء أو الدولة) مسؤولة عن رعاية شخص، ولم تقم بواجبها في هذا الاتّجاه، فإنّها في مثل هذه الحالة إنّما تتحمّل وزرها، لا وزر غيرها، وعليها أن تتحمّل تبعات إهمالها وعدم مسؤوليّتها.

----------

[1]. النساء: 92.

[2]. مجمع البيان 5: 92.

[3]. زبدة البيان في أحكام القرآن: 676.

[4]. مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 4: 227.

[5]. جواهر الکلام 43: 445.

[6]. الأنعام: 164؛ الإسراء: 15؛ فاطر: 18؛ الزمر: 7؛ وانظر أيضاً:
النجم: 38.

[7]. الميزان في تفسير القرآن 17: 35.

[8]. أنظر: التنقيح الرائع 4: 531.

[9]. الكهف: 94.

[10]. إيضاح الفوائد 4: 426.

[11]. المائدة: 2.

[12]. المكاسب المحرّمة 1: 196.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org