Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الإشكال الأوّل

الإشكال الأوّل إن وجوب طلاق الخلع على الرجل ينافي الرواية المعروفة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»([50]) وذلك أن ظاهر هذه الرواية كون الرجل كامل الحرية والإرادة في أمر الطلاق، وهذا الأمر يعارض الحكم بوجوب الطلاق على الرجل، وعندما تقع المعارضة تقدّم هذه الرواية على الوجوه والأدلّة المقدّمة لصالح نظرية وجوب الطلاق على الرجل; لأنّها رواية موافقة للكتاب ولما وصلنا من روايات في خصوص طلاق الخلع، فيكون الحكم بالوجوب اجتهادٌ في مقابل النص.

دراسة في الحديث النبوي:«الطلاق بيد من أخذ بالساق»

يمكن دراسة هذه الرواية من ناحيتين: السند والدلالة;

أ ـ دراسة سند الحديث

هذه الرواية رواية سنّية; فلم ينقلها سوى أهل السنّة في كتبهم; ولم ينقل ما يشابه هذه الرواية في المصادر الشيعية([51]). وقد وردت هذه الرواية في كتب أهل السنّة بطريقين وسندين كلاهما ضعيف وهما:

1 ـ حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتى النبي(صلى الله عليه وآله)رجل، فقال: يا رسول الله! إنّ سيدي زوّجني أمته وهو يريد أن يفرّق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)المنبر، فقال: «يا أيها الناس! ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثم يريد أن يفرّق بينهما؟! إنما الطلاق لمن أخذ بالساق»([52]).

2 ـ ... خالد بن عبدالسلام الصدفي، حدثنا الفضل بن المختار، عن عبيدالله بن موهب، عن عصمة بن مالك([53]).

وفي الطريق الأول نجد ابن لهيعة الذي ضعّفوه([54])، كما نجد في السند الثاني الفضل بن المختار الذي عدّوه ضعيفاً أيضاً([55])، وعليه فلا سند صحيح لهذا الحديث عند أهل السنة.

ب ـ دراسة دلالة الحديث

يعاني هذا الحديث ـ في دلالته على عدم وجوب طلاق الخلع على الرجل وإلزامه به ـ من عدة إشكالات هي:

أوّلا: يحتمل أن الحصر الوارد فيه حصر إضافي وليس بالحقيقي; وذلك أنه مع الالتفات إلى صدر الرواية الوارد في الاختلاف بين الزوج والمولى في حقّ الطلاق، لا يكون حصر حقّ الطلاق بيد الزوج من قبل الشارع حصراً حقيقياً حتى يدلّ على أن أيّ شخص غير الزوج ـ كائناً من كان ـ لا حقّ له في طلاق زوجة الرجل، بحيث يشمل هذا الأمر الزوجة نفسها، وسلب حق صيرورتها مطلقة من يدها هي أيضاً. والشاهد على إضافية الحصر هو مورد الرواية; ذلك أنها جاءت في السؤال عن اختلاف الزوج مع المولى، والجواب فيه ظهور في الحصر الإضافي بالنسبة إلى هذا المورد.

وهذا الاحتمال الذي طرحناه لو لم نقل: إنه ظاهر الحديث، فلا أقلّ من كفايته في إعاقة تمامية الاستدلال به، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. يضاف إلى ذلك، إن ظهور الحديث في الحصر الإضافي يغدو واضحاً بقرينة المورد ونصوص النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)فيما يخصّ حُسن تزويج العبيد; وبعبارة أخرى يحتمل أن يكون مورد الرواية مربوط فقط بالحصر في أمثال موردها، وهو طلاق المولى والعبد، أي لا يكون طلاق زوجة العبد بيد مولاه، وإنما بيد العبد نفسه، وبهذا لا يكون الحصر حقيقياً حتى يدل على أن الطلاق ـ دائماً وأبداً وفي جميع الموارد ومقابل جميع الأفراد ـ بيد الزوج. وبناءً عليه فالحصر في حديث «من أخذ بالساق» مربوطٌ أيضاً
بهذا الحصر الإضافي، أي بالنسبة للعبد في مقابل المولى، وشاهد ذلك الاستفادة من تعابير مثل: «ما بال أحدكم» أو «ما بال أقوام» أو «ألا إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق»([56]) في إطار اختلاف نقل الحديث; وكان النبي يريد أن ينهى الناس عن تزويج العبيد والإماء من بعضهم ثم العمل على فصلهم وطلاقهم.

والشاهد الآخر أن جملة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» في تمام صور نقلها ومصادره، جاءت إما طبقاً للصورة المنقولة عن ابن عباس، أو أنه جاء في تكملتها تحذير النبي من تزويج العبيد والجواري ثم الفصل بينهم. وبناءً عليه لا يمكن الوصول إلى حصر حقيقي من خلال هذه الجملة بحيث يشمل تمام الأفراد بمن فيهم الزوجة نفسها; لأن احتمال إضافية الحصر مانع عن الاستدلال بالعموم في الحديث، فكيف بادّعاء ظهور الحديث في الحصر الإضافي؟!

ثانياً: حتى لو قبلنا بأن هذه الجملة تعبّر عن قاعدة عامّة، وأن الحصر فيها حصر حقيقي، لا يمكن ـ أيضاً ـ القول بتنافي هذه القاعدة مع وجوب طلاق الخلع; لأن هذه القاعدة مرتبطة بالطلاق، أما بحثنا فهو في الخلع الذي قال بعضهم: إنه لا يحتاج إلى صيغة طلاق([57])، كما ذهب بعضهم إلى أن وقوعه بدون لفظ الطلاق معناه أنه فسخ وليس بطلاق([58])، وعليه فالخلع والطلاق بابان منفصلان عن بعضهما، فلا تسري أدلّة الطلاق إلى الخلع أساساً([59]).

ثالثاً: حتى لو تمت هذه القاعدة فلا تنافي إجبار الرجل وإلزامه بالطلاق; لأننا ندّعي أنه مع فرض كراهة المرأة وتنازلها عن مهرها ومطالبتها بالطلاق يجب على الزوج أن يطلقها، وعندما لا يطلّق يجبره الحاكم الشرعي على الطلاق تماماً مثل موارد العسر
والحرج بالنسبة للمرأة; ومع هذا كلّه يظلّ الطلاق بيد الرجل، ولو لم نعتبر الطلاق بيد الرجل لكان يفترض الحكم بانفصال الزوجين عن بعضهما بمجرّد هبة المرأة المهر للرجل، لكننا نرى أن القائلين بوجوب طلاق الخلع ذكروا ـ أيضاً ـ أنه بعد الخلع لابد من صيغة الطلاق من قبل الرجل([60]).

من هنا، فهذا الإلزام يؤيّد قاعدة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، ولا ينافيها، وإنما يؤكدها.
__________________________________________
[50] . المصدر نفسه.
[51] . يقول صاحب المسالك في بحثه عن صحة توكيل الزوجة بطلاق نفسها، بعد استدلال الشيخ بهذه الرواية لعدم صحّة الوكالة: «والخبر مع تسليم سنده لا ينافي ذلك» وعبارة (مع تسليم سنده) تدلّ على أنه لا يرى هذه الرواية صحيحةً; فانظر: مسالك الأفهام 9: 15.
[52] . سنن ابن ماجة: 349، ح 2081; وسنن البيهقي 11: 27.
[53] . سنن الدارقطني 4: 37; ح 103.
[54] . عبدالله بن عقبة بن لهيعة، ويكنى أبا عبدالرحمن، وكان ضعيفاً.. (الطبقات الكبرى 7: 516).
[55] . الفضل. قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة، يحدّث بالأباطيل، وقال الأزدي: منكر الحديث جداً. وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة عامتها لا يتابع عليها (الذهبي، ميزان الاعتدال 3: 358).
[56] . سنن الدارقطني 4: 37، ح 103.
[57] . جواهر الكلام 33: 2.
[58] . المصدر نفسه 33: 9.
[59] . لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا الجواب لا يصحّ على مبنى من يقول بأن الخلع نوعٌ من الطلاق، ويشترطون الصيغة فيه، فيكون جواباً مبنائياً.
[60] . تهذيب الأحكام 8: 97، ذيل الحديث: 327 ـ 328; والجوامع الفقهية: 552، سطر: 33; والسرائر 2: 726; وغنية النزوع 2: 375.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org