Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأوامر (درس45)
الأوامر (درس45)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 45
التاريخ : 2008/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

المقصد الأوّل في الأوامر وفيه فصول
الفصل الأوّل في مادة الأمر، وفيه جهات من البحث.
الجهة الأولى: أنه قد ذكر للفظ الأمر معانٍ متعددة منها: الطلب، والشأن، والغرض والفعل العجيب، والصفة، والقدرة حتى عدّها بعضهم إلى خمسة عشر، ذكر سبعة منها صاحب (الكفاية).
ويظهر من صاحب (الكفاية) في آخر البحث أنّه لا طريق لترجيح أحد المعاني المستعمل فيها الأمر وأنها بنحو الاشتراك اللفظي أو الاشتراك المعنوي أو بنحو الحقيقة أو المجاز، فلا طريق لترجيح أحد هذه الأنحاء والمعاني على المعاني والأنحاء الاُخرى، ولا حجة لنا على الترجيح عند تعارض هذه الأحوال.
ثم إنه لا شيء هنا أكثر من الاعتبارات، ولا اعتبار بالاعتبار، والمعتبر والحجة في باب ظواهر الألفاظ هو الفهم العرفي وصحة السلب والتبادر وما شابه ذلك. وعلى هذا، لو جاءت مادة الأمر في دليلٍ وكان معناها مردداً بين الطلب والشيء والشأن ما أمكننا إثبات أيّ من هذه المعاني، وينبغي عندئذٍ الرجوع إلى الأصل العملي، فإذا كنا شاكين في الاستحباب والوجوب أجرينا أصالة البراءة للحكم بعدم الوجوب، ولا أصل لفظياً عندنا هنا، والموجود هو الأصل العملي.
ثم قال صاحب (الكفاية): (كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الأوّل) أي لايبعد أن الأمر حقيقة في معنى الطلب.
أمّا أمثال الشيخ المرحوم صاحب (الفصول) فقد قال بأنه مشترك لفظي في الطلب وبعضٍ آخر من المعاني المتقدمة، وقال بعض آخر: إنّه مشترك معنوي بين جميع المعاني، وقد ذكر صيغة الأمر كأحد المعاني، وبعض آخر قال بأنه حقيقة في الصيغة الخاصة.
أما مختار سيدنا الاُستاذ فهو أن مادة الأمر حقيقة في معنى اسمي واحد يقابل معنى حرفي جامع بين المعاني الحرفية، وهو عبارة عن البعث الإنشائي أو التحريك الإنشائي.
والبعث على قسمين:
1 ـ بعث تكويني
.
2 ـ بعث إنشائي. والبعث التكويني هو بأن يدفعك شخص لتقع في بئر مثلاً، والبعث الإنشائي أو الاعتباري بأن يأمر المولى عبده بالإتيان بصلاة الجمعة وإلاّ تعرّض للضرب.
ولا يخفى أنّ المعاني المذكورة لمادة الأمر لا تستعمل كلها في وقت واحد، وأن غير واحد من هذه المعاني ـ كما يقول صاحب (الكفاية) ـ تُعدُّ من موارد الاشتباه بين المفهوم والمصداق. على سبيل المثال يقال: (جئتك لأمر كذا) وأن الأمر هنا بمعنى غرض، ومن المعلوم أن الأمر لم يستعمل في الغرض، بل استعمل في معناه أي بمعناه الفعلي، لكن بما أن هذا الفعل من مصاديق الغرض تصوّروا استعماله في الغرض؛ لكون اللام تدل على الغرض.
على سبيل المثال كذلك جاءت الآية كالتالي: (إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ)[1] فتصوّروا أن الأمر هنا بمعنى الفعل العجيب، مع أن الأمر ليس بمعنى الفعل العجيب بل بمعنى الطلب، وباعتبار أن المورد من موارد الفعل العجيب تصوّروا استعمال الأمر في الفعل العجيب، بينما هو من مصاديق الفعل العجيب لا أكثر.
أما دليل سيدنا الاُستاذ فهو التبادر، فالذي ينسبق إلى الذهن من مادة الأمر هو البعث الإنشائي بمعناه الاسمي وهو ليس مشتركاً لفظياً بين الطلب وغيره؛ لأن القول بكونه مشتركاً لفظياً يلزم منه الاشتقاق من معنى جامد، وهو كما نرى، فإنها إذا كانت مادة كان لها مشتقات، مع أنّه لا يمكن الاشتقاق من معنى جامد.
كما أنّه لا يمكن القول بأنّ مادة الأمر مشترك معنوي للقدر الجامع، فإنّه لا جامع حقيقياً بين المشتق والجامد، فلا يمكن العثور على مفهوم يكون حقيقة في المفهوم الاشتقاقي وحقيقة في المفهوم الجامد.
وقد نقل عن المرحوم النائيني قوله بإمكانية تصوّر قدر جامع انتزاعي مثل الطلب مع الأهمية، وهذا غير متبادر إضافة إلى كونه خلاف المراد.
ولا يخفى أن ما قلناه في مادة الأمر كبقية مواد المشتقات التي لا تحصّل لها لا لفظاً ولا معنىً، وتحصُلها بكون من خلال هيئتها. وأما الأمر الذي هو المصدر وله جمعان جمع قياسي (اُمور) وجمع سماعي (أوامر) فلا يبعد أن يكون له معنيان أحدهما المعنى الذي يتناسب مع مادة البعث الإنشائي على أن يكون مصدرياً، والآخر بمعنى شيء.
ويشهد على الاشتراك وجود جمعين، فذلك كاشف عن أن لمفرده معنيين، ولو كان للفظه المفرد معنى واحد لما كان له جمعان، فثنائية الجمع يشهد على تعدُّد المعاني.
الجهة الثانية: الإستعلاء والعلو في مادة الأمر
هل يُعتبر الإستعلاء والعلو في مادة الأمر؟ فيه احتمالات، بل أقوال:
الأوّل: يعتبر كلاهما مطلقاً.
الثاني: لا يعتبر كلاهما مطلقاً.
الثالث: يعتبر العلو، أمّا الإستعلاء فلا.
الرابع: يعتبر كلاهما على سبيل منع الخلو.
والحق أن العلو (بأن يكون الآمر عالياً) معتبر كما يعتبر الإستعلاء (بأن يكون في موقف وحالة أمر)؛ وذلك للتبادر، فالذي يُفهم من معنى الأمر هو أن الآمر عالٍ، وقد أظهر علوّه، ولذلك إذا سأل فقير وقال: (اعطني مالاً) لا يصدق كونه أمراً؛ لعدم العلو، وكذلك لا يصدق الأمر عندما يكون علو لكن لا يكون إستعلاءً كما في حالة نصيحة الأب لأولاده.
ولا يخفى أن العلوّ المعتبر اعتباري لا واقعي تكويني، والاعتباري هو الذي يحصل أما بالشرع أي القانون وأمّا بالقهر والغلبة، فقد يصبح شخص رئيساً للجمهورية بالقهر والغلبة وقد يصبح بالطرق القانونية، والمعتبر في بحثنا هو العلو الاعتباري.
الجهة الثالثة: مادة الأمر حقيقة في الوجوب.
دليل كون مادة الأمر حقيقة في الوجوب هو التبادر أي انسباق الوجوب من مادة الأمر إلى الذهن، ولذلك إذا قيل: (أمر زيد عمراً بكذا) كان ذلك يعني إلزامه بكذا.
ويؤيد التبادر الآيات والروايات، ومن الآيات الآية الشريفة التالية: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[2] ، فقد هدّدت الآية مخالف أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ بالعذاب، فلابد وأن يكون الأمر حقيقة في الوجوب وإلاّ فلا ينبغي أن يترتب العذاب على الأمر غير الوجوبي.
وفي آية يوبّخ الله الشيطان لعدم سجوده عندما أمره بالسجود، فإذا لم يكن الأمر دالاً على الوجوب ما كان هناك معنى لتوبيخ إبليس.
وقد جاء في حديث نبوي: ((لولا أشق على أُمتي لأمرتهم بالسواك))[3] وهذا والحديث يمكنه أن يكون شاهداً من جهتين:
أولهما: هناك ملازمة بين المشقة والأمر الوجوبي، حيث الأخير يؤدي إلى المشقة.
ثانيهما: نفس مادة أمرتهم تدل على الوجوب ولو لم تكن هناك عبارة (أن أشق)، والعبارة في النهاية تعني (لأوجبت عليهم).
وقد اعتبرنا الآيات والروايات مؤيدات لا أدلة باعتبار أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - هود: 40.
[2] - النور: 63.
[3] - الوسائل 2: 17، أبواب السواك، ب3، ح4.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org